الاعلام العموهي ورهانات المستقبل
الإعلام العمومي ورهانات المستقبل
عرف الإعلام العمومي مند بداية العقد التسعيني من الألفية المنصرمة عددا من التحولات والمنعطفات توجت أخيرا بتأسيس الهيئة العليا للسمعي البصري وتحويل دار الإذاعة والتلفزيون المغربية إلى شركة وطنية بالإضافة إلى إضفاء صبغة المؤسسة العمومية على القناة الثانية التي كانت في بدايتها مملوكة للرأسمال الخاص.
كل هده التحولات أعطت الانطباع أن الدولة عاقدة العزم على تحرير المشهد الإعلامي السمعي البصري عبر فتح مجال الاستثمار للخواص من جهة وتحديد مجالات القطب العمومي من جهة أخرى.
وبالفعل عرفت عملية التحول نحو الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون المغربية إنجاز خطوات هامة إلا أنها لم تنعكس إيجابا على مستوى الأداء المهني وكذلك على مستوى ضمان التطبيق السليم لمبادئ التعددية.
أما فيما يتعلق بالقناة الثانية فالأمور تبدو أكثر تعقيدا على اعتبار عجزها عن استيعاب مفهوم الخدمة أو المرفق العام الذي يقتضي السهر على تمثيلية مختلف مكونات المشهد السياسي والاجتماعي والإجابة على تطلعات جميع الفئات الاجتماعية.
وبالطبع ثمة عامل الزمن الذي يستوجب الدخول في فترة انتقالية قصد التأقلم مع الوضع الجديد إلا أن عددا من النوازل والأحداث أثبتت أن قطاعات ما من الدولة تعتبر أن القطب العمومي يجب أن يخضع لأولوية الدولة وليس بالضرورة لأولوية المجتمع وحاجاته.
وهو الأمر الذي يدفع بالمتتبع لمختلف مكونات القطب العمومي السمعي البصري إلى استنتاج مفاده أن هده الأخيرة لا تزال تلعب دور أداة للبروباغاندا.
ومن المؤكد أن من حق أية حكومة التوفر على استراتيجية تواصلية لكن ليس من حقها تحويل القطب الإعلامي العمومي إلى ناطق رسمي باسمها تحت أية ذريعة كانت.
أن الرهان المستقبلي الاعلام العمومي هو الخروج من نفق النمطية والتخلص من سلطة التعليمات والخضوع لمتطلبات المهنية والإجابة عن حاجات مجتمع في طور الانتقال وتحصين قيم الحداثة والديموقراطية والمساواة وضمان التعديدية والسهر على تمثيلية مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية.
ثمة تحد اخر على القطب العمومي الاجابة عنه والمتعلق بكيفية تحويليه نحو عامل مساهم وفعال في بناء قيم المواطنة ورسم معالم الشخصية المغربية المستقلة.
لا يجب السقوط في فخ تحويل الإعلام العمومي إلى عامل للتنميط والتوجيه والدعاية لصالح طرف ضد أطراف أخرى وفق حسابات سياسوية أو حزبوية ضيقة اد إن هدا المسار يهدد بنسف كل ما ثم بناءه طيلة عقود بل الأجدى والأنفع لمغرب الانتقال الديمقراطي أن يكون الإعلام العمومي وسيطا أساسا لدعم خيارات مجتمعية واضحة.
هده الخيارات هي التي أعطت حكومة التناوب التوافقي كمحطة فاصلة وحاسمة في التاريخ السياسي لمغرب ما بعد الاستقلال .
هده الخيارات هي التي يجب أن تكون خارطة طريق القائمين الحاليين على تسيير مكونات القطب العمومي .
إن إرادة جميع الفئات الاجتماعية ومختلف الفرقاء السياسين والاجتماعيين والاقتصاديين تتجسد في ضمان أجرأة واضحة وفعالة لخيارات الحداثة والديموقراطية والتعددية والتقدم.
وماعدا دلك سيكون بمثابة تهديد واضح وصريح لمشروع الانتقال الديمقراطي.
على الإعلام العمومي ادن أن يكون مرآة عاكسة لخيارات أمة بأكملها.
يوسف الدازي.
الرباط 20أكتوبر 2006